الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى
.(فَرْعٌ): [مَنْ ادَّعَى أَلْفًا عَلَى حَاضِرٍ وَغَائِبٍ]: .(فَصْلٌ فِي الْكَفَالَةِ): قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَعْنَاهُ أَنِّي أُعَرِّفُكَ مَنْ هُوَ وَأَيْنَ هُوَ (لَا بِحُضُورِهِ) فِي قَوْلٍ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْكَفِيلِ الْمَكْفُولَ لَهُ عَلَى الْمَكْفُولِ بِهِ وَإِعْلَامَهُ بِمَكَانِهِ، يَبْرَأُ بِهِ وَيُعَدُّ تَسْلِيمًا، (خِلَافًا لِلْمُنْتَهَى) حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ ضَمِنَ مَعْرِفَتَهُ أُخِذَ بِهِ؛ أَيْ بِالْمُسْتَدِينِ نَصًّا، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ ضَمِنَ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ غَرِمَ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَهَذَا يُعْطِي أَنَّ أَحْمَدَ جَعَلَ ضَمَانَ مَعْرِفَتِهِ تَوْثِقَةً لِمَنْ لَهُ الْمَالُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: ضَمِنْتُ لَكَ حُضُورَهُ مَتَى حَضَرْتَ كَأَنَّكَ أَنْتَ لَا تَعْرِفُهُ وَلَا يُمْكِنُكَ إحْضَارُ مَنْ لَا تَعْرِفُهُ فَأَنَا أَعْرِفُهُ فَأُحْضِرُهُ لَكَ مَتَى أَرَدْتَ فَصَارَ كَقَوْلِهِ تَكَفَّلْتُ بِبَدَنِهِ. انْتَهَى. فَطَالَبَ ضَامِنَ الْمَعْرِفَةِ بِإِحْضَارِهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ إحْضَارِهِ مَعَ حَيَاتِهِ؛ لَزِمَهُ لِمَنْ ضَمِنَ مَعْرِفَتَهُ لَهُ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى فَإِنْ قِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أُخِذَ بِهِ؛ أَيْ: بِدَلِّ رَبِّ الدَّيْنِ عَلَى اسْمِهِ وَمَكَانِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ. الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَقَالَ الْإِمَامُ أُمِرَ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ، أَوْ قَالَ أُخِذَ بِمَعْرِفَتِهِ، وَقَالَ كُلِّفَ تَعْرِيفَهُ، وَفِي قَوْلِهِ أُخِذَ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ. الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَاسْتَغْنَى رَبُّ الدَّيْنِ؛ بِسُؤَالِهِ عَنْ نِسْبَةِ الْمُسْتَدِينِ وَمَكَانِهِ وَإِنْ ارْتَابَ فِي صِحَّةِ قَوْلِهِ حَصَلَ زَوَالُ الرِّيبَةِ بِصِدْقِهِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ ضَمَانِ مَعْرِفَتِهِ. الثَّالِثُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ضَمَانِ الْمَعْرِفَةِ التَّوَثُّقُ، فَإِنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِرَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يُنْسَبَ لَهُ أَوْ يُذْكَرَ لَهُ أَنَّهُ سَاكِنٌ بِمَحَلَّةِ كَذَا، وَلَوْ مَعَ غَنَائِهِ، مَعَ غَيْبَتِهِ وَغَيْبَةِ مَالِهِ الرَّاجِحُ أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ ضَمِنَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، وَالتَّعْرِيفُ قَادِرٌ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ طُلِبَ مِنْهُ، إمَّا بِلَفْظِهِ أَوْ بِكِتَابَتِهِ، أَوْ إشَارَتِهِ إنْ عَرَضَ لَهُ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ التَّلَفُّظِ انْتَهَى. (فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ) مَنْ هُوَ وَأَيْنَ هُوَ؛ (ضَمِنَ) مَا عَلَيْهِ، وَإِنْ عَرَّفَهُ ذَلِكَ؛ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْضِرَهُ. هَذَا تَتِمَّةُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ، فَرَّعَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى اخْتِيَارِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا فِيهِ. (وَتَصِحُّ) الْكَفَالَةُ (بِبَدَنِ مَنْ عِنْدَهُ عَيْنٌ مَضْمُونَةٌ أَوْ أَمَانَةٌ) أَوْ عَارِيَّةٌ أَوْ غَصْبٌ، (وَكَفَلَهُ فِي التَّعَدِّي، أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ) وَجَبَ أَوْ يَجِبُ غَيْرُ جِزْيَةٍ وَدَيْنِ سَلَمٍ، وَتَصِحُّ بِبَدَنِ كُلِّ مَنْ يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ (وَلَوْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا، وَيَحْضُرَانِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِمَا) بِالْإِتْلَافِ، وَبِبَدَنِ مَحْبُوسٍ وَغَائِبٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَثِيقَةٍ صَحَّتْ مَعَ الْإِطْلَاقِ وَالْحُضُورِ؛ صَحَّتْ مَعَ الْحَبْسِ وَالْغَيْبَةِ؛ كَالدَّيْنِ وَضَمَانِ الْمَالِ. وَ(لَا) تَصِحُّ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ (حَدٌّ) لِلَّهِ؛ كَحَدِّ الزِّنَا أَوْ لِآدَمِيٍّ؛ كَحَدِّ قَذْفٍ؛ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: «لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ» وَلِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْإِسْقَاطِ وَالدَّرْءِ بِالشُّبْهَةِ، فَلَا يَدْخُلُهُ الِاسْتِيثَاقُ، وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ الْجَانِي (أَوْ) عَلَيْهِ (قِصَاصٌ)؛ فَلَا تَصِحُّ كَفَالَتُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَدِّ (وَلَا بِزَوْجَةٍ) لِزَوْجِهَا فِي حَقِّ الزَّوْجِيَّةِ لَهُ عَلَيْهَا، (وَ) لَا (بِشَاهِدٍ)؛ لِأَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِمَا لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْكَفِيلِ، وَلَا بِمُكَاتَبٍ لِدَيْنِ كِتَابَةٍ؛ لِأَنَّ الْحُضُورَ لَا يَلْزَمُهُ؛ إذْ لَهُ تَعْجِيزُ نَفْسِهِ، وَلَا وَلَدٍ بِوَالِدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إحْضَارُهُ لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ؛ (وَلَا إلَى أَجَلٍ أَوْ بِشَخْصٍ مَجْهُولِينَ)، أَمَّا عَدَمُ صِحَّتِهَا إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ؛ فَلِأَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ يَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ فِيهِ، وَأَمَّا عَدَمُ صِحَّتِهَا بِشَخْصٍ مَجْهُولٍ؛ فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ؛ فَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ، بِخِلَافِ ضَمَانِ دَيْنٍ مَجْهُولٍ يَئُولُ إلَى الْعِلْمِ، (وَلَوْ فِي ضَمَانٍ؛ كَإِلَى مَجِيءِ الْمَطَرِ وَهُبُوبِ الرِّيحِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ يُسْتَحَقُّ طَلَبٌ فِيهِ). (وَكَذَا) لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ (لِحَصَادٍ وَجُذَاذٍ وَعَطَاءٍ)؛ لِلْجَهَالَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ، (وَفِي الْإِقْنَاعِ كَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْأَوْلَى صِحَّتُهُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِلَا عِوَضٍ) جَعَلَ لَهُ أَجَلًا لَا يَمْنَعُ حُصُولَ الْمَقْصُودِ مِنْهُ؛ فَصَحَّ؛ كَالنَّذْرِ، وَهَكَذَا كُلُّ مَجْهُولٍ لَا يَمْنَعُ مَقْصُودَ الْكَفَالَةِ. (وَإِنْ كَفَلَ) رَشِيدٌ (بِجُزْءٍ مُشَاعٍ)؛ كَثُلُثِ مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ وَرُبُعِهِ، (أَوْ) كَفَلَ (بِعُضْوٍ) مِنْهُ ظَاهِرًا؛ كَرَأْسِهِ وَيَدِهِ، (وَيَتَّجِهُ) أَوْ كَانَ الْعُضْوُ جِسْمًا بَاطِنًا؛ كَقَلْبِهِ أَوْ كَبِدِهِ مُخْتَلَفًا فِيهِ (كَرُوحِهِ أَوْ نَفْسِهِ)؛ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إحْضَارُهُ إلَّا بِإِحْضَارِ الْكُلِّ. وَالنَّفْسُ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الذَّاتِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ) تَكَفَّلَ (بِشَخْصٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ جَاءَ بِهِ) فَقَدْ بَرِئَ (وَإِلَّا) يَجِئْ بِهِ (فَهُوَ كَفِيلٌ بِآخَرَ) مُعَيَّنٍ، (أَوْ) فَهُوَ (ضَامِنٌ مَا عَلَيْهِ) مِنْ الْمَالِ؛ لِصِحَّةِ تَعْلِيقِ الْكَفَالَةِ وَالضَّمَانِ عَلَى شَرْطٍ؛ كَضَمَانِ الْعُهْدَةِ، (أَوْ) قَالَ (إذَا قَدِمَ الْحَاجُّ فَأَنَا كَفِيلٌ بِزَيْدٍ شَهْرًا؛ صَحَّ) ذَلِكَ (وَ) الْمَسْأَلَةُ (الْأُخْرَى جَمَعَتْ تَعْلِيقًا وَتَوْقِيتًا) وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ مَعَ الِانْفِرَادِ، فَكَذَا مَعَ الِاجْتِمَاعِ. (وَيَبْرَأُ) مَنْ كَفَلَ شَهْرًا أَوْ نَحْوَهُ (إنْ لَمْ يُطَالِبْ) مَكْفُولٌ لَهُ بِإِحْضَارِهِ (فِيهِ)؛ أَيْ: الشَّهْرِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمُضِيِّهِ لَا يَكُونُ كَفِيلًا، وَأَمَّا تَوْقِيتُ الضَّمَانِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، لَكِنْ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَإِنْ عَلَّقَ الضَّمَانَ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ؛ صَحَّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمَا، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَالشَّرِيفُ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَغَيْرُهُمْ. (وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ) الْكَفَالَةِ (بِسَبَبِ الْحَقِّ)؛ كَالْعُهْدَةِ وَالدَّرَكِ وَمَا لَمْ يَجِبْ وَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُهُ (بِلَا نِزَاعٍ) فِي ذَلِكَ (كَإِنْ أَقْرَضْتَ فُلَانًا كَذَا فَضَمَانُهُ عَلَيَّ، أَوْ) يَقُولُ (وَأَنَا كَفِيلٌ) بِهِ، (وَ) إنْ قَالَ: (أَبْرِئْ الْكَفِيلَ وَأَنَا كَفِيلٌ؛ فَسَدَ الشَّرْطُ)، وَهُوَ قَوْلُهُ أَبْرِئْ الْكَفِيلَ؛ لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ أَنَا كَفِيلٌ بِبَدَنِ فُلَانٍ إنْ أَبْرَأْتَ فُلَانًا الْكَفِيلَ؛ (فَيَفْسُدُ عَقْدُ الْكَفَالَةِ) لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ) لَوْ أَجَابَهُ لِمَا سَأَلَهُ وَأُبْرِئَ الْكَفِيلُ، ثُمَّ امْتَنَعَ السَّائِلُ مِنْ الْكَفَالَةِ؛ يَفْسُدُ الْعَقْدُ، (وَتَصِحُّ الْبَرَاءَةُ)، لَكِنْ نُقِلَ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ قَالَ: لَا يَبْرَأُ مَكْفُولٌ بِهَذِهِ الْبَرَاءَةِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ إنَّمَا أَبْرَأَهُ اعْتِمَادًا عَلَى صِدْقِ السَّائِلِ، (وَكَذَا كَفَلْتُ أَوْ ضَمِنْتُ فُلَانًا عَلَى أَنْ تُبْرِئَنِي مِنْ كَفَالَةِ فُلَانٍ) الْآخَرِ (أَوْ) مِنْ (ضَمَانِهِ، أَوْ) قَالَ: ضَمِنْتُ لَكَ (هَذَا الدَّيْنَ عَلَى أَنْ تُبْرِئَنِي مِنْ) ضَمَانِ الدَّيْنِ (الْآخَرِ)، أَوْ قَالَ: ضَمِنْتُ لَكَ هَذَا الْمَدِينَ عَلَى أَنْ تُبْرِئَنِي مِنْ الْكَفَالَةِ بِفُلَانٍ؛ فَيَفْسُدُ الشَّرْطُ وَالْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ فَسْخٍ فِي عَقْدٍ؛ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ فَسْخِ بَيْعٍ آخَرَ، (وَكَذَا لَوْ شَرَطَ فِي كَفَالَةٍ وَضَمَانٍ أَنْ يَتَكَفَّلَ الْمَكْفُولَ لَهُ أَوْ الْمَكْفُولَ بِهِ آخَرُ)؛ بِأَنْ قَالَ: أَنَا كَفِيلٌ بِفُلَانٍ عَلَى أَنْ يَتَكَفَّلَ لِي بِفُلَانٍ أَوْ يَضْمَنَهُ لِي، أَوْ أَنَا ضَامِنٌ مَا عَلَى فُلَانٍ عَلَى أَنْ يَتَكَفَّلَ لِي بِفُلَانٍ أَوْ يَضْمَنَهُ لِي (أَوْ) كَفَلَ؛ أَوْ ضَمِنَ عَلَى أَنْ (يَضْمَنَ) الْمَكْفُولُ بِهِ أَوْ الْمَضْمُونُ عَنْهُ (دَيْنًا عَلَيْهِ)؛ أَيْ: عَلَى الْكَفِيلِ أَوْ الضَّامِنِ، (أَوْ) ضَمِنَ أَوْ كَفَلَ عَلَيَّ (بِبَيْعِهِ) الْمَكْفُولَ بِهِ أَوْ الْمَضْمُونَ عَنْهُ شَيْئًا عَيَّنَهُ الْكَفِيلُ أَوْ الضَّامِنُ، (أَوْ) عَلَى أَنْ (يُؤَجِّرَهُ كَذَا)؛ أَيْ: دَارِهِ مَثَلًا، أَوْ عَلَى أَنْ يَهَبَهُ كَذَا؛ فَلَا يَصِحُّ الضَّمَانُ وَلَا الْكَفَالَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ كَبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. .(فَصْلٌ): [متى يبرأ الكفيل من الْمَكْفُولِ بِهِ]: قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَلَوْ قَالَ فِي الْكَفَالَةِ: إنْ عَجَزْتُ عَنْ إحْضَارِهِ أَوْ مَتَى عَجَزْتُ عَنْ إحْضَارِهِ كَانَ عَلَيَّ الْقِيَامُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ، فَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: لَمْ يَبْرَأْ بِمَوْتِ الْمَكْفُولِ، وَلَزِمَهُ مَا عَلَيْهِ، قَالَ: وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَأَفْتَيْتُ فِيهَا بِلُزُومِ الْمَالِ. (وَالسَّجَّانُ كَالْكَفِيلِ) عَلَيْهِ إحْضَارُ الْخَصْمِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ إحْضَارُهُ؛ ضَمِنَ مَا عَلَيْهِ، (أَطْلَقَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ (وَقَيَّدَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ)، فَقَالَ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَالْوَكِيلِ يُجْعَلُ فِي حِفْظِ الْغَرِيمِ (إنْ هَرَبَ مَنْ فِي السِّجْنِ؛ بِتَفْرِيطِهِ)؛ لَزِمَهُ إحْضَارُهُ، وَإِلَّا فَلَا؛ (وَكَذَا رَسُولُ الشَّرْعِ وَنَحْوُهُ) مِمَّنْ هُوَ وَكِيلٌ عَلَى بَدَنِ الْغَرِيمِ بِمَنْزِلَةِ كَفِيلِ الْبَدَنِ، فَإِنْ هَرَبَ غَرِيمٌ مِنْهُ فَعَلَيْهِ إحْضَارُهُ، أَوْ يَغْرَمُ مَا عَلَيْهِ عَلَى الْأَوَّلِ مُطْلَقًا وَعَلَى الثَّانِي إنْ كَانَ بِتَفْرِيطِهِ؛ لَزِمَهُ إحْضَارُهُ، وَإِلَّا فَلَا. (وَإِذَا طَالَبَ كَفِيلٌ مَكْفُولًا بِهِ أَنْ يَحْضُرَ مَعَهُ) لِيُسَلِّمَهُ لِغَرِيمِهِ وَيَبْرَأَ مِنْهُ؛ لَزِمَهُ الْحُضُورُ، (أَوْ) طَالَبَ (ضَامِنٌ مَضْمُونًا بِتَخْلِيصِهِ مِنْ ضَمَانِهِ بِتَوْفِيَةِ الْحَقِّ) إلَى رَبِّهِ؛ (لَزِمَهُ)؛ أَيْ: الْمَكْفُولُ أَوْ الْمَضْمُونُ، (وَطُولِبَ) كَفِيلٌ أَوْ ضَامِنٌ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ شَغَلَ ذِمَّتَهُ مِنْ أَجَلِهِ بِإِذْنِهِ، فَلَزِمَهُ تَخْلِيصُهَا؛ كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ عَبْدَهُ، فَرَهَنَهُ بِإِذْنِهِ، ثُمَّ طَالَبَهُ سَيِّدُهُ بِفَكِّهِ، (وَيَكْفِي فِي) الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ مَسْأَلَةُ (الْكَفَالَةِ أَحَدُهُمَا)؛ أَيْ: الْإِذْنُ أَوْ مُطَالَبَةُ رَبِّ الدَّيْنِ الْكَفِيلَ، أَمَّا مَعَ الْإِذْنِ فَلِمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا مَعَ الْمُطَالَبَةِ؛ فَلِأَنَّ حُضُورَ الْمَكْفُولِ حَقٌّ لِلْمَكْفُولِ لَهُ- وَقَدْ اسْتَنَابَ الْكَفِيلَ فِي ذَلِكَ بِمُطَالَبَتِهِ بِهِ- أَشْبَهَ مَا لَوْ صَرَّحَ بِالْوَكَالَةِ. (وَمَنْ كَفَلَهُ اثْنَانِ) مَعًا أَوْ لَا، (فَسَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا بِمَا لَمْ يُبْرِئْ الْآخَرَ)، لِإِحْلَالِ إحْدَى الْوَثِيقَتَيْنِ بِلَا اسْتِيفَاءٍ، فَلَا تَنْحَلُّ الْأُخْرَى؛ كَمَا لَوْ أَبْرَأَ أَحَدَهُمَا أَوْ انْفَكَّ أَحَدُ الرَّهْنَيْنِ بِلَا قَضَاءٍ، (وَإِنْ أَسْلَمَ) مَكْفُولٌ (نَفْسَهُ بَرِئَ)؛ أَيْ: الْكَفِيلَانِ لِأَدَاءِ الْأَصْلِ مَا عَلَيْهِمَا، (وَإِنْ كَفَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَكْفُولَيْنِ) الْأَوْلَى كَفِيلَيْنِ. فَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ ارْتَكَبَ مَجَازَ الْأَوَّلِ، لِشَخْصٍ (آخَرَ فَأَحْضَرَ) هَذَا الْآخَرُ (الْمَكْفُولَ) بِهِ؛ أَيْ: مَكْفُولَ مَكْفُولِهِ (بَرِئَ) مَنْ أَحْضَرَهُ (هُوَ وَمَنْ تَكَفَّلَ بِهِ) مِنْ الْكَفِيلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا عَلَيْهِمَا؛ كَمَا لَوْ سَلَّمَهُ مَنْ تَكَفَّلَ بِهِ (فَقَطْ)؛ أَيْ: دُونَ الْكَفِيلِ الثَّانِي وَكَفِيلِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ تَكَفَّلَ ثَلَاثَةٌ بِوَاحِدٍ وَكُلٌّ مِنْهُمْ بِصَاحِبِهِ؛ صَحَّ، وَمَتَى سَلَّمَهُ أَحَدُهُمْ؛ بَرِئَ هُوَ وَصَاحِبَاهُ مِنْ كَفَالَتِهِمَا بِهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ لَهُمَا وَهُمَا فَرْعَانِ لَهُ، وَيَبْقَى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْكَفَالَةُ بِالْمَدِينِ؛ لِأَنَّهُمَا أَصْلَانِ فِيهَا. (وَمَنْ كَفَلَ لِاثْنَيْنِ فَأَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا) مِنْ الْكَفَالَةِ، أَوْ سَلَّمَ الْمَكْفُولَ بِهِ لِأَحَدِهِمَا؛ (لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْآخَرِ)؛ لِبَقَاءِ حَقِّهِ؛ كَمَا لَوْ ضَمِنَ دَيْنًا لِاثْنَيْنِ فَوَفَّى أَحَدُهُمَا. (وَإِنْ كَفَلَ الْكَفِيلَ) شَخْصٌ (آخَرُ وَ) كَفَلَ (الْآخَرُ آخَرَ) وَهَكَذَا؛ (أُبْرِئَ كُلٌّ) مِنْ الْكُفَلَاءِ (بِبَرَاءَةِ مَنْ قَبْلَهُ)، فَيَبْرَأُ الثَّانِي بِبَرَاءَةِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثُ بِبَرَاءَةِ الثَّانِي، وَهَكَذَا؛ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ، (وَلَا عَكْسَ)، فَلَا يَبْرَأُ وَاحِدٌ بِبَرَاءَةِ مَنْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُهُ؛ (كَضَمَانٍ، لَكِنْ لَوْ سَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا)؛ أَيْ: الْمَكْفُولَ (أَحَدُهُمْ فِي الْكَفَالَةِ؛ بَرِئَ الْجَمِيعُ) لِأَنَّهُ أَدَّى مَا عَلَيْهِمْ؛ (كَمَا لَوْ سَلَّمَ) مَكْفُولٌ (نَفْسَهُ). (وَلَوْ ضَمِنَ اثْنَانِ وَاحِدًا) فِي مَالٍ، (وَقَالَ كُلٌّ) لِرَبِّ الْحَقِّ: (ضَمِنْت لَك الدَّيْنَ)، فَهُوَ (ضَمَانُ اشْتِرَاكٍ)؛ لِاشْتِرَاكِهِمْ (فِي الِالْتِزَامِ) بِالدَّيْنِ (فِي انْفِرَادٍ بِالطَّلَبِ)، فَكُلٌّ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِجَمِيعِ الدَّيْنِ عَلَى انْفِرَادِهِ؛ (فَلَهُ)؛ أَيْ: رَبِّ الدَّيْنِ (طَلَبُ كُلٍّ) مِنْهُمَا (بِالدَّيْنِ كُلِّهِ)؛ لِالْتِزَامِهِ (بِهِ، وَإِنْ قَالَا)؛ أَيْ: الِاثْنَانِ (ضَمِنَّا لَكَ الدَّيْنَ؛ فَهُوَ بَيْنَهُمَا بِالْحِصَصِ) عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهُ، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَعَلَى كُلٍّ ثُلُثُهُ، (وَ) إنْ قَالَ أَحَدُهُمْ: (أَنَا وَهَذَانِ ضَامِنُونَ لَكَ الْأَلْفَ) مَثَلًا (فَسَكَتَا)؛ أَيْ: الْآخَرَانِ (فَعَلَيْهِ)؛ أَيْ: قَائِلِ ذَلِكَ (فَقَطْ ثُلُثُهُ)؛ أَيْ: ثُلُثُ الْأَلْفِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ أَدَّى أَحَدُهُمَا الْأَلْفَ أَوْ حِصَّتَهُ مِنْهُ حَيْثُ صَحَّ؛ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا عَلَى مَضْمُونٍ عَنْهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ أَصْلِيٌّ، لَا ضَامِنٌ عَنْ الضَّامِنِ. .(فَرْعٌ): [لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: اضْمَنْ فُلَانًا أَوْ: اُكْفُلْ فُلَانًا]: (وَ) يَتَّجِهُ أَيْضًا (أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ: أَعْطِهِ)؛ أَيْ: فُلَانًا (مِنْ جِهَتِي أَلْفًا وَأُعْطِيكَ بِهَا)؛ أَيْ: الْأَلْفِ (حِنْطَةً) مَثَلًا، (فَفَعَلَ)؛ أَيْ: أَعْطَاهُ الْأَلْفَ؛ (لَزِمَهُ الْأَلْفُ)؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهَا بِقَوْلِهِ مِنْ جِهَتِي، كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي دَفْعِهَا عَنْ ذِمَّتِهِ، (وَلَا) يَلْزَمُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ بِهَا (الْحِنْطَةَ)؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ لَهُ وَعْدٌ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. .(بَابُ الْحَوَالَةِ): (وَ) الثَّانِي (عِلْمُ) مَالٍ (مُحَالٍ بِهِ) وَاسْتِقْرَارُهُ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ (عَلَيْهِ)؛ لِاعْتِبَارِ التَّسْلِيمِ، وَالْجَهَالَةُ تَمْنَعُ مِنْهُ. (وَ) الثَّالِثُ إمْكَانُ (الْمُقَاصَّةِ؛ بِأَنْ يَسْتَوِيَ الدَّيْنَانِ جِنْسًا وَصِفَةً وَحُلُولًا وَأَجَلًا وَقَدْرًا؛ فَلَا تَصِحُّ) الْحَوَالَةُ (بِذَهَبٍ عَلَى فِضَّةٍ، وَلَا بِصِحَاحٍ عَلَى مُكَسَّرَةٍ، وَعَكْسُهُ) كَمُكَسَّرَةٍ عَلَى صِحَاحٍ، وَلَا بِحَالٍّ عَلَى مُؤَجَّلٍ، (وَلَا مَعَ اخْتِلَافِ أَجَلٍ)؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ إرْفَاقٍ كَالْقَرْضِ، فَلَوْ جُوِّزَتْ مَعَ الِاخْتِلَافِ؛ لَصَارَ الْمَطْلُوبُ مِنْهَا الْأَفْضَلَ، فَتَخْرُجُ عَنْ مَوْضُوعِهَا، (وَلَوْ كَانَا)؛ أَيْ: الدَّيْنَانِ الْمُحَالُ بِهِ وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ (حَالَّيْنِ، فَشُرِطَ عَلَى مُحْتَالٍ تَأْخِيرُ حَقِّهِ أَوْ) تَأْخِيرُ (بَعْضِهِ) إلَى أَجَلٍ- وَلَوْ مَعْلُومًا- (لَمْ تَصِحَّ) الْحَوَالَةُ؛ لِأَنَّ الْحَالَّ لَا يَتَأَجَّلُ، (لَكِنْ إذَا صَحَّتْ) الْحَوَالَةُ، (فَرَضِيَا)؛ أَيْ: الْمُحْتَالُ وَالْمُحْتَالُ عَلَيْهِ (بِدَفْعِ أَدْنَى) مِنْ الدَّيْنِ، (أَوْ) بِدَفْعِ (أَعْلَى) مِنْهُ، (أَوْ) رَضِيَا (بِتَأْجِيلِهِ) وَهُوَ مُعَجَّلٌ، (أَوْ تَعْجِيلِهِ) وَهُوَ مُؤَجَّلٌ، (أَوْ بِدَفْعِ عِوَضٍ عَنْهُ، جَازَ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ فِي الْقَرْضِ فَهُنَا أَوْلَى، لَكِنْ إنْ جَرَى بَيْنَ الْعِوَضَيْنِ رِبَا النَّسِيئَةِ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ الْمُحَالُ بِهِ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ فَعِوَضُهُ عَنْهُ مَوْزُونًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، أَوْ كَانَ مَكِيلًا، فَعِوَضُهُ عَنْهُ مَكِيلًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ؛ اشْتَرَطَ فِيهِ التَّقَابُضَ بِمَجْلِسِ التَّعْوِيضِ (وَ) يُشْتَرَطُ [فِي] الْحَوَالَةِ تَمَاثُلُ الدَّيْنَيْنِ فِي الْقَدْرِ؛ (فَلَا يَصِحُّ بِقَلِيلٍ عَلَى كَثِيرٍ) كَعَشَرَةٍ عَلَى خَمْسَةٍ، (وَ) لَا (عَكْسُهُ) كَخَمْسَةٍ عَلَى عَشَرَةٍ؛ لِلِاخْتِلَافِ، (وَتَصِحُّ) الْحَوَالَةُ، (بِقَلِيلٍ عَلَى قَدْرِهِ مِنْ كَثِيرٍ)؛ بِأَنْ أَحَالَهُ بِخَمْسَةٍ عَلَى خَمْسَةٍ، (وَعَكْسُهُ)؛ بِأَنْ أَحَالَهُ بِخَمْسَةٍ مِنْ الْعَشَرَةِ عَلَى خَمْسَةٍ، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ سَبَبِ الدَّيْنَيْنِ؛ كَكَوْنِ أَحَدِهِمَا مِنْ قَرْضٍ وَالْآخَرِ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ. (الرَّابِعُ اسْتِقْرَارُ) دَيْنٍ فِي ذِمَّةِ (مُحَالٍ عَلَيْهِ) نَصًّا كَبَدَلِ قَرْضٍ وَثَمَنِ مَبِيعٍ بَعْدَ لُزُومِ بَيْعٍ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُسْتَقِرِّ عُرْضَةٌ لِلسُّقُوطِ وَمُقْتَضَى الْحَوَالَةِ إلْزَامُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ مُطْلَقًا، وَيُشْتَرَطُ اسْتِقْرَارُ دَيْنٍ مُحَالٍ (بِهِ)، فَتَصِحُّ بِجَعْلٍ قَبْلَ عَمَلٍ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ بِمَنْزِلَةِ وَفَائِهِ، وَيَصِحُّ الْوَفَاءُ قَبْلَ الِاسْتِقْرَارِ، (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ الْقَاضِي وَالْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا؛ (فَلَا تَصِحُّ) الْحَوَالَةُ، (عَلَى صَدَاقٍ قَبْلَ دُخُولٍ) وَنَحْوِهِ مِمَّا يُقَرِّرُ الصَّدَاقَ؛ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارٍ (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَى (مَالِ كِتَابَةٍ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَقِرٍّ أَيْضًا، (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا عَلَى (أُجْرَةٍ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ مَنْفَعَةٍ) فِيمَا إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ لِعَمَلٍ (أَوْ) قَبْلَ (فَرَاغِ مُدَّةٍ) إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ إلَى مُدَّةٍ؛ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهَا. (وَلَا) تَصِحُّ الْحَوَالَةُ (عَلَى ثَمَنِ مَبِيعٍ عَلَى مُشْتَرٍ فِي مُدَّةِ خِيَارِ) مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطٍ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ (عَلَى قِيمَةِ مُتْلَفٍ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا) وَجَهَالَتِهَا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) تَصِحُّ الْحَوَالَةُ (عَلَى مَالِ مُسْلَمٍ)؛ أَيْ: مُسْلَمٍ فِيهِ (أَوْ) عَلَى (رَأْسِهِ)؛ أَيْ: رَأْسِ مَالِ سُلِّمَ (بَعْدَ فَسْخِ) عَقْدِ سَلَمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مُقَاصَّةَ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ. (أَوْ) أَيْ: وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَى (عَيْنٍ مِنْ نَحْوِ وَدِيعَةٍ) كَمُضَارَبَةٍ أَوْ شَرِكَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ عَلَى دَيْنٍ (أَوْ) أَيْ: وَلَا عَلَى (اسْتِحْقَاقٍ فِي وَقْفٍ أَوْ عَلَى نَاظِرِهِ أَوْ عَلَى نَاظِرِ بَيْتِ الْمَالِ)؛ لِعَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ فِي كُلٍّ، (فَلَوْ أَحَالَ نَاظِرٌ لِوَقْفٍ وَنَحْوِهِ) كَصَاحِبِ الْعَطَاءِ فِي الدُّيُونِ (بَعْضَ الْمُسْتَحَقِّينَ) فِي الْوَقْفِ (عَلَى جِهَةٍ) مِنْ جِهَاتِ الْوَقْفِ؛ (لَمْ تَصِحَّ) الْحَوَالَةُ، لَكِنَّ ذَلِكَ وِكَالَةٌ؛ كَالْحَوَالَةِ عَلَى مَالِهِ فِي الدِّيوَانِ. (وَتَصِحُّ) الْحَوَالَةُ مِنْ مُكَاتَبٍ (إنْ أَحَالَ سَيِّدَهُ) بِمَالِ كِتَابَةٍ، (أَوْ) أَحَالَ (زَوْجَ امْرَأَتِهِ) بِصَدَاقِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ (وَنَحْوُهُ)؛ كَمَا لَوْ أَحَالَ مُشْتَرٍ بَائِعًا بِثَمَنِ الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اسْتِقْرَارُ مُحَالٍ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَ(لَا) تَصِحُّ الْحَوَالَةُ (بِجِزْيَةٍ) عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ؛ لِفَوَاتِ الصَّغَارِ مِنْ الْمُحِيلِ، وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَيْهَا لِذَلِكَ، (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِأَخْذِ (دَيْنِ سَلَمٍ)؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ. (وَلَا) يَصِحُّ (أَنْ يُحِيلَ وَلَدٌ عَلَى أَبِيهِ) إلَّا بِرِضَى الْأَبِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ طَلَبَ أَبِيهِ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَمْ يَذْكُرْهَا أَحَدٌ مِمَّنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ لِحَقِّ الْأَبِ، فَإِذَا رَضِيَ بِهِ جَازَ، وَظَاهِرُهُ صِحَّةُ الْحَوَالَةِ عَلَى أُمِّهِ وَلَوْ بِغَيْرِ رِضَاهَا، (وَلَا يَلْزَمُهُ)؛ أَيْ: رَبَّ الدَّيْنِ، (أَنْ يَحْتَالَ عَلَيْهِ)؛ أَيْ: عَلَى وَالِدِ الْمُحِيلِ. (الْخَامِسُ كَوْنُ مُحَالٍ عَلَيْهِ يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ مِنْ مِثْلِيٍّ)؛ كَمَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ لَا صِنَاعَةَ فِيهِ غَيْرَ جَوْهَرٍ وَنَحْوِهِ، (وَغَيْرِهِ)؛ أَيْ: غَيْرِ الْمِثْلِيِّ (كَمَعْدُودٍ) بِيعَ بِوَصْفٍ (وَمَذْرُوعٍ بِيعَ بِوَصْفٍ)؛ فَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِمَا (أَوْ خُولِعَ) زَوْجٌ (بِهِ)؛ بِأَنْ خَالَعَتْهُ عَلَى ثَوْبٍ ذَرْعُهُ كَذَا وَصِفَتُهُ كَذَا، فَتَجُوزُ الْحَوَالَةُ عَلَى الثَّوْبِ، (أَوْ أَصْدَقَ) زَوْجَتَهُ الْمَدْخُولَ بِهَا عَبْدًا صِفَتُهُ كَذَا، فَتَجُوزُ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ؛ لِاسْتِقْرَارِهِ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ بِالدُّخُولِ وَنَحْوِهِ. (وَلَا تَصِحُّ) الْحَوَالَةُ (بِإِبِلِ الدِّيَةِ) عَلَى إبِلِ الْقَرْضِ؛ لِوُجُوبِ رَدِّ الْمِثْلِ عَلَى الْمُقْرِضِ، وَكَذَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِإِبِلِ الدِّيَةِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ مِثْلُهَا. قَالَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِأَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ فِي السِّنِّ وَالْقِيمَةِ وَسَائِرِ الصِّفَاتِ. وَ(لَا) تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِإِبِلِ الْقَرْضِ (عَلَيْهَا)؛ أَيْ: عَلَى إبِلِ الدِّيَةِ الَّتِي عَلَى الْعَاقِلَةِ قَبْلَ مُضِيِّ الْحَوْلِ؛ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ. .(فَصْلٌ): [لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْحَوَالَةِ رِضَى مُحَالٍ عَلَيْهِ]: (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ إنْ) بَاعَ الدَّارَ عَلَى أَنَّهَا مِلْكُهُ، ثُمَّ (ادَّعَى) أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ الْبَيْعِ وَقْفًا، لَكِنَّهُ حَصَلَ لَهُ (نَحْوُ ذُهُولٍ) عَنْ كَوْنِهَا وَقْفًا (وَنِسْيَانٍ) لِوَقْفِيَّتِهَا، (فَشَهِدَتْ) الْبَيِّنَةُ (بِهِ)؛ أَيْ: الْوَقْفِ عَلَى عَقْدِ الْبَيْعِ؛ (قُبِلَتْ) بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الظَّاهِرِ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي تَكْذِيبَهَا، وَالذُّهُولُ وَالنِّسْيَانُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَالْخَطَإِ؛ لِلْخَبَرِ، وَهَذَا أَيْضًا لَوْلَا إطْلَاقُهُمْ لَكَانَ مُتَّجِهًا (وَإِنْ صَدَّقَهُمَا)؛ أَيْ: الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِيَ (مُحْتَالٌ) عَلَى حُرِّيَّةِ الْعَبْدِ (وَادَّعَاهَا)؛ أَيْ: ادَّعَى أَنْ الْحَوَالَةَ (بِغَيْرِ ثَمَنِ الْعَبْدِ) الَّذِي اتَّفَقُوا عَلَى حُرِّيَّتِهِ؛ فَالْقَوْلُ (قَوْلُهُ) مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي سَلَامَةَ الْعَقْدِ وَهِيَ الْأَصْلُ (حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا)؛ أَيْ: لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بِأَنَّ الْحَوَالَةَ بِثَمَنِ الْعَبْدِ، فَإِنْ كَانَتْ؛ عَمِلَ بِهَا، (وَإِنْ اتَّفَقَ مُحِيلٌ وَمُحْتَالٌ عَلَى حُرِّيَّتِهِ)؛ أَيْ؛ الْعَبْدِ، (وَكَذَّبَهُمَا مُحَالٌ عَلَيْهِ؛ لَمْ يُقْبَلَا)؛ أَيْ: قَوْلَاهُمَا (عَلَيْهِ فِي الْحُرِّيَّةِ)؛ أَيْ: حُرِّيَّةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِمَا، (وَبَطَلَتْ الْحَوَالَةُ؛ لِاعْتِرَافِ مُحْتَالٍ بِعَدَمِ الدَّيْنِ) وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ يَعْتَرِفُ لِلْمُحْتَالِ بِدَيْنٍ لَا يُصَدِّقُهُ الْمُحْتَالُ فِيهِ، فَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا (وَإِنْ اعْتَرَفَ مُحَالٌ عَلَيْهِ وَمُحْتَالٌ بِحُرِّيَّةِ الْعَبْدِ؛ عَتَقَ) الْعَبْدُ؛ (لِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ بِحُرِّيَّتِهِ، وَبَطَلَتْ الْحَوَالَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا) مُؤَاخَذَةً إلَيْهِمَا بِحُكْمِ إقْرَارِهِمَا. (وَلَا يَرْجِعُ مُحْتَالٌ عَلَى مُحِيلٍ لِاعْتِرَافِهِ بِبَرَاءَتِهِ) بِدُخُولِهِ مَعَهُ فِي الْحَوَالَةِ. (فُرُوعٌ: لَوْ اتَّفَقَا)؛ أَيْ: رَبُّ دَيْنٍ وَمَدِينٍ (عَلَى) قَوْلِ مَدِينٍ لِرَبِّ دَيْنٍ: (أَحَلْتُك) عَلَى فُلَانٍ، (أَوْ) عَلَى قَوْلِهِ: (أَحَلْتُك بِدَيْنِي) عَلَى فُلَانٍ، (وَادَّعَى أَحَدُهُمَا إرَادَةَ الْوَكَالَةِ)، وَادَّعَى الْآخَرُ إرَادَةَ الْحَوَالَةِ؛ (صُدِّقَ) مُدَّعٍ إرَادَةَ الْوَكَالَةِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الدَّيْنِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَمُدَّعِي الْحَوَالَةِ يَدَّعِي نَقْلَهُ، وَمُدَّعِي الْوَكَالَةِ يُنْكِرُهُ، وَلَا مَوْضِعَ لِلْبَيِّنَةِ هُنَا؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي النِّيَّةِ، (وَ) إنْ اتَّفَقَا (عَلَى) قَوْلِ مَدِينٍ لِرَبِّ دَيْنٍ: (أَحَلْتُك بِدَيْنِكَ)، وَادَّعَى أَحَدُهُمَا إرَادَةَ الْحَوَالَةِ، وَالْآخَرُ إرَادَةَ الْوَكَالَةِ؛ (فَقَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ)؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ بِدَيْنِهِ لَا تَحْتَمِلُ الْوَكَالَةَ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ مُدَّعِيهَا. (وَلَوْ قَالَ زَيْدٌ لِعَمْرٍو: أَحَلْتنِي بِدَيْنِي عَلَى بَكْرٍ)، وَاخْتَلَفَا هَلْ جَرَى بَيْنَهُمَا لَفْظُ الْحَوَالَةِ أَوْ الْوَكَالَةِ؛ بِأَنْ قَالَ زَيْدٌ: أَحَلْتَنِي بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ، (فَقَالَ عَمْرٌو: بَلْ وَكَّلْتُكَ) بِلَفْظِ الْوَكَالَةِ، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ؛ عُمِلَ بِهَا؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ هُنَا فِي اللَّفْظِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ؛ (صُدِّقَ عَمْرو) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي بَقَاءَ الْحَقِّ عَلَى مَا كَانَ، وَهُوَ الْأَصْلُ، (فَلَا يَقْبِضُ زَيْدٌ مِنْ بَكْرٍ لِعَزْلِهِ) نَفْسَهُ (بِالْإِنْكَارِ) لِلْوَكَالَةِ، (وَمَا قَبَضَهُ) زَيْدٌ مِنْ بَكْرٍ قَبْلَ ذَلِكَ وَالْمَقْبُوضُ قَائِمٌ لَمْ يَتْلَفْ؛ (فَلِعَمْرٍو أَخْذُهُ) مِنْ زَيْدٍ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ فِيهِ، (وَلِزَيْدٍ طَلَبُ عَمْرٍو بِدَيْنِهِ) عَلَيْهِ؛ لِاعْتِرَافِهِ بِبَقَائِهِ فِي ذِمَّتِهِ بِإِنْكَارِهِ الْحَوَالَةَ (وَالتَّالِفُ بِيَدِ زَيْدٍ) سَوَاءٌ كَانَ (بِتَفْرِيطٍ أَوْ لَا؛ يَبْرَأُ بِهِ كُلٌّ) مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو (مِنْ صَاحِبِهِ)، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، صَحَّحَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ (خِلَافًا لِلْمُنْتَهَى) حَيْثُ قَالَ: وَالتَّالِفُ مِنْ عَمْرٍو لِزَيْدٍ طَلَبُهُ بِدَيْنِهِ. (وَلَوْ قَالَ عَمْرٌو) لِزَيْدٍ مَثَلًا: (أَحَلْتُك) بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ، (وَقَالَ زَيْدٌ: وَكَّلْتَنِي) فِي قَبْضِهِ بِلَفْظِ الْوَكَالَةِ- وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا- (صُدِّقَ زَيْدٌ) بِيَمِينِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَهُ)؛ أَيْ: زَيْدٌ (الْقَبْضُ)؛ لِأَنَّهُ إمَّا وَكِيلٌ أَوْ مُحْتَالٌ (ثُمَّ لَا يُخْفِي الْحُكْمَ)، فَإِنْ قَبَضَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَالِهِ عَلَى عَمْرٍو فَأَقَلَّ قَبْلَ أَخْذِ دَيْنِهِ؛ فَلَهُ أَخْذُهُ لِنَفْسِهِ؛ لِقَوْلِ عَمْرٍو: هُوَ لَكَ، وَقَوْلِ زَيْدٍ: هُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِي، وَلِي مِثْلُهُ عَلَى عَمْرٍو، فَإِذَا أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ؛ حَصَلَ غَرَضُهُ، وَإِنْ كَانَ زَيْدٌ قَبَضَهُ وَأَتْلَفَهُ أَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ بِتَفْرِيطِهِ؛ سَقَطَ حَقُّهُ، وَبِلَا تَفْرِيطٍ؛ فَالتَّالِفُ مِنْ عَمْرٍو، وَلِزَيْدٍ طَلَبُهُ بِحَقِّهِ، وَلَيْسَ لِعَمْرٍو الرُّجُوعُ عَلَى بَكْرٍ؛ لِاعْتِرَافِهِ بِبَرَاءَتِهِ. (وَالْحَوَالَةُ) مِنْ مَدِينٍ (عَلَى مَالِهِ فِي الدِّيوَانِ أَوْ) مِنْ (النَّاظِرِ لِلْمُسْتَحِقِّ) عَلَى مَالِهِ فِي الْوَقْفِ (إذْنٌ) لَهُ (فِي الِاسْتِيفَاءِ) فَقَطْ، لَا حَوَالَةٌ حَقِيقَةٌ؛ (لِأَنَّ الْحَوَالَةَ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى ذِمَّةٍ)؛ فَلَا تَصِحُّ بِمَالِ الْوَقْفِ، وَلَا عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، (فَلِلْمُحْتَالِ) بِذَلِكَ (طَلَبُ مُحِيلِهِ) بِحَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ بِوَفَاءٍ وَلَا إبْرَاءٍ وَلَا حَوَالَةٍ صَحِيحَةٍ. (وَإِحَالَةُ مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ) شَخْصًا (مَنْ دَيْنُهُ عَلَيْهِ وَكَالَةٌ لَهُ فِي الِاسْتِيفَاءِ)- وَلَوْ جَرَتْ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ- إذْ لَيْسَ فِيهَا تَحْوِيلُ حَقٍّ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ، وَإِنَّمَا جَازَتْ الْوَكَالَةُ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَعْنَى، وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الْوَكِيلِ مُطَالَبَةَ مَنْ عَلَيْهِ؛ الدَّيْنُ كَاسْتِحْقَاقِ الْمُحْتَالِ مُطَالَبَةَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَتَثْبُتُ فِيهَا أَحْكَامُ الْوَكَالَةِ مِنْ عَزْلِ الْوَكِيلِ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَعَزْلِهِ وَنَحْوِهِ. (وَ) إحَالَةُ (مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ عَلَى مِثْلِهِ)؛ أَيْ: مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ (وَكَالَةٌ فِي اقْتِرَاضٍ، وَكَذَا) إحَالَةُ (مَدِينٍ عَلَى بَرِيءٍ) وَكَالَةٌ فِي اقْتِرَاضٍ (فَلَا يُصَارِفُهُ) الْمُحْتَالُ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ وَكَالَةٌ فِي الِاقْتِرَاضِ لَا فِي الْمُصَارَفَةِ، فَإِنْ قَبَضَ الْمُحْتَالُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ؛ رَجَعَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ إذَنْ عَلَى الْمُحِيلِ بِمَا دَفَعَهُ عَنْهُ لِلْمُحْتَالِ؛ لِأَنَّهُ قَرَضَ وَلَمْ يَتَبَرَّعْ، وَإِنْ أَبْرَأَ الْمُحْتَالُ الْمُحَالَ عَلَيْهِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ مِنْهُ؛ لَمْ تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ؛ لِأَنَّهَا بَرَاءَةٌ لِمَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَبَضَ الْمُحْتَالُ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ مِنْهُ؛ مَلَكَهُ، وَرَجَعَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ عَلَى الْمُحِيلِ بِمَا دَفَعَهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَرْضٌ، وَهِبَةُ الْمُحْتَالِ بَعْدَ ذَلِكَ غَيْرُ نَافِعَةٍ.
|